أم يحيى المديرة العامة
عدد الرسائل : 793 البلد : تاريخ التسجيل : 26/11/2007
| موضوع: تعريف الحديث القدسي الجمعة ديسمبر 14, 2007 3:40 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته تعريف الحديث القدسي
الحديث القدسي: ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه، وقد أدخله المحدثون في الأحاديث النبوية؛ لأنه منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم تبليغاً، وليس من القرآن بالإجماع، وإن كان كل واحد منهما قد بلغه النبي صلى الله عليه وسلم أمته عن الله- عز وجل -. وقد اختلف العلماء رحمهم الله في لفظ الحديث القدسي: هل هو كلام الله تعالى، أو أن الله تعالى أوحى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم معناه واللفظ لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ على قولين: القول الأول: أن الحديث القدسي من عند الله لفظه ومعناه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أضافه إلى الله تعالى، ومن المعلوم أن الأصل في القول المضاف أن يكون بلفظ قائله لا ناقله، لاسيما والنبي صلى الله عليه وسلم أقوى الناس أمانةً وأوثقهم روايةً. القول الثاني: أن الحديث القدسي معناه من عند الله ولفظه لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لوجهين: الوجه الأول: لو كان الحديث القدسي من عند الله لفظاً ومعنى؛ لكان أعلى سنداً من القرآن، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربه تعالى بدون واسطة؛ كما هو ظاهر السياق، أما القرآن، فنزل على النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل؛ كما قال تعالى: قل نزله روح القدس من ربك [النحل: 102]، وقال: (نزل به الروح الأمين (193) على قلبك لتكون من المنذرين (194) بلسان عربي مبين(195) [الشعراء: 193-195]. الوجه الثاني: أنه لو كان لفظ الحديث القدسي من عند الله، لم يكن بينه وبين القرآن فرق؛ لأن كليهما على هذا التقدير كلام الله تعالى، والحكمة تقتضي تساويهما في الحكم حين اتفقا في الأصل، ومن المعلوم أن بين القرآن والحديث القدسي فروق كثيرة: منها: أن الحديث القدسي لا يتعبد بتلاوته، بمعنى أن الإنسان لا يتعبد لله تعالى بمجرد قراءته؛ فلا يثاب على كل حرف منه عشر حسنات، والقرآن يتعبد بتلاوته بكل حرف منه عشر حسنات. ومنها: أن الله تعالى تحدى أن يأتي الناس بمثل القرآن أو آية منه، ولم يرد مثل ذلك في الأحاديث القدسية. ومنها: أن القرآن محفوظ من عند الله تعالى؛ كما قال سبحانه: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون [الحجر: 9]، والأحاديث القدسية بخلاف ذلك؛ ففيها الصحيح والحسن، بل أضيف إليها ما كان ضعيفاً أو موضوعاً، وهذا وإن لم يكن منها لكن نسب إليها وفيها التقديم والتأخير والزيادة والنقص. ومنها: أن القرآن لا تجوز قراءته بالمعنى بإجماع المسلمين، وأما الأحاديث القدسية، فعلى الخلاف في جواز نقل الحديث النبوي بالمعنى والأكثرون على جوازه. ومنها: أن القرآن تشرع قراءته في الصلاة ومنه ما لا تصح الصلاة بدون قراءته، بخلاف الأحاديث القدسية. ومنها: أن القرآن لا يمسه إلا طاهر على الأصح، بخلاف الأحاديث القدسية. ومنها: أن القرآن لا يقرؤه الجنب حتى يغتسل على القول الراجح، بخلاف الأحاديث القدسية. ومنها: أن القرآن ثبت بالتواتر القطعي المفيد للعلم اليقيني، فلو أنكر منه حرفاً أجمع القراء عليه؛ لكان كافراً، بخلاف الأحاديث القدسية؛ فإنه لو أنكر شيئاً منها مدعياً أنه لم يثبت؛ لم يكفر، أما لو أنكره مع علمه أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله؛ لكان كافراً لتكذيبه النبي صلى الله عليه وسلم. وأجاب هؤلاء عن كون النبي صلى الله عليه وسلم أضافه إلى الله، والأصل في القول المضاف أن يكون لفظ قائله بالتسليم أن هذا هو الأصل، لكن قد يضاف إلى قائله معنىً لا لفظاً؛ كما في القرآن الكريم؛ فإن الله تعالى يضيف أقوالاً إلى قائليها، ونحن نعلم أنها أضيفت معنىً لا لفظاً، كما في "قصص الأنبياء" وغيرهم، وكلام الهدهد والنملة؛ فإنه بغير هذا اللفظ قطعاً. وبهذا يتبين رجحان هذا القول، وليس الخلاف في هذا كالخلاف بين الأشاعرة وأهل السنة في كلام الله تعالى؛ لأن الخلاف بين هؤلاء في أصل كلام الله تعالى؛ فأهل السنة يقولون: كلام الله تعالى، لأن الخلاف بين هؤلاء في أصل كلام الله تعالى، فأهل السنة يقولون: كلام الله تعالى كلام حقيقي مسموع يتكلم سبحانه بصوت وحرف، والأشاعرة لا يثبتون ذلك، وإنما يقولون: كلام الله تعالى هو المعنى القائم بنفسه وليس بحرف وصوت، وكلن الله تعالى يخلق صوتاً يعبر به عن المعنى القائم بنفسه، ولا شك في بطلان قولهم، وهو في الحقيقة قول المعتزلة، لأن المعتزلة يقولون: القرآن مخلوق، وهو كلام الله وهؤلاء يقولون: القرآن مخلوق، وهو عبارة عن كلام، فقد اتفق الجميع على أن ما بين دفتي المصحف مخلوق. ثم لو قيل في مسألتنا - الكلام في الحديث القدسي ـ: إن الأولى ترك الخوض في هذا؛ خوفاً من أن يكون من التنطع الهالك فاعله، والاقتصار على القول بأن الحديث القدسي ما رواه النبي عن ربه وكفى؛ لكان ذلك كافياً، ولعله أسلم والله أعلم. * (فائدة): إذا انتهى سند الحديث إلى الله تعالى سمي (قدسياً)؛ لقدسيته وفضله، وإذا انتهى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم سمي مرفوعاً، وإذا انتهى إلى الصحابي سمي موقوفاً، وإذا انتهى إلى التابعي فمن بعده سمي مقطوعاً. وفي موضع آخر: قوله "فقد كفر بما أنزل على محمد"، أي: بالذي أنزل، والذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم القرآن أنزل إليه بواسطة جبريل، قال تعالى: (وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين) [الشعراء: 192، 193]، وقال تعالى: (قل نزله روح القدس من ربك) [النحل: 102]، وبهذا نعرف أن القول الراجح في الحديث القدسي أنه من كلام الله تعالى معنى، وأما لفظه، فمن الرسول صلى الله عليه وسلم، لكنه حكاه عن الله، لأننا لو لم نقل بذلك لكان الحديث القدسي أرفع سنداً من القرآن، حيث إن الرسول صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربه مباشرة والقرآن بواسطة جبريل. ولأنه لو كان من كلام الله لفظاً، لوجب أن تثبت له أحكام القرآن، لأن الشرع لا يفرق بين المتماثلين، وقد علم أن أحكام القرآن لا تنطبق على الحديث القدسي ولا يتعبد بتلاوته ولا يقرأ في الصلاة، ولا يعجز لفظه، ولو كان من كلام الله، لكان معجزاً، لأن كلام الله لا يماثله كلام البشر، وأيضاً باتفاق أهل العلم فيما أعلم أنه لو جاء مشرك يستجير ليسمع كلام الله فدل هذا على أنه ليس من كلام الله، وهذا هو الصحيح، وللعلماء في ذلك قولان: هذا أحدهما، والثاني: أنه من قول الله لفظاً. فإن قال قائل: كيف تصححون هذا والنبي صلى الله عليه وسلم ينسب القول الى الله، ويقول: قال الله تعالى: ومقول القول هو هذا الحديث المسوق؟ قلنا: هذا كما قال الله تعالى عن موسى وفرعون وإبراهيم: قال موسى، قال فرعون، قال إبراهيم… مع أننا نعلم أن هذا اللفظ ليس من كلامهم ولا قولهم، لأن لغتهم ليست اللغة العربية، وإنما نقل نقلاً عنهم، ويدل هذا أن القصص في القرآن تختلف بالطول والقصر والألفاظ، مما يدل على أن الله سبحانه ينقلها بالمعنى، ومع ذلك ينسبها إليهم، كما قال تعالى: (وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني) [الزخرف: 26،27]، وقال عن موسى: (وقال موسى لقومه استعينوا بالله) [الأعراف: 128]، وقال عن فرعون: (قال للملأ حوله إن هذا لساحر عليم) [الشعراء: 34].اهـ
القول المفيد على كتاب التوحيد: للعثيمين-رحمه الله. | |
|