أم يحيى المديرة العامة
عدد الرسائل : 793 البلد : تاريخ التسجيل : 26/11/2007
| موضوع: شرح الاربعين النووية الحديث الرابع والعشرون الإثنين يناير 28, 2008 6:55 pm | |
| الحديث الرابع والعشرون
عَنْ أَبي ذرٍّ الغِفَارْي رضي الله عنه عَن النبي صلى الله عليه وسلم فيمَا يَرْويه عَنْ رَبِِّهِ عزَّ وجل أَنَّهُ قَالَ: (يَا عِبَادِيْ إِنِّيْ حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِيْ وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمَاً فَلا تَظَالَمُوْا، يَا عِبَادِيْ كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُوْنِي أَهْدِكُمْ، يَاعِبَادِيْ كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ فاَسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِيْ كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُوْنِيْ أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِيْ إِنَّكُمْ تُخْطِئُوْنَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوْبَ جَمِيْعَاً فَاسْتَغْفِرُوْنِيْ أَغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِيْ إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوْا ضَرِّيْ فَتَضُرُّوْنِيْ وَلَنْ تَبْلُغُوْا نَفْعِيْ فَتَنْفَعُوْنِيْ، يَاعِبَادِيْ لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوْا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فَيْ مُلْكِيْ شَيْئَاً. يَا عِبَادِيْ لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوْا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِيْ شَيْئَاً، يَا عِبَادِيْ لَوْ أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوْا فِيْ صَعِيْدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُوْنِيْ فَأَعْطَيْتُ كُلَّ وَاحِدٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِيْ إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ المِخْيَطُ إَذَا أُدْخِلَ البَحْرَ، يَا عِبَادِيْ إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيْهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيْكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرَاً فَليَحْمَدِ اللهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُوْمَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ)[165] رواه مسلم. الشرح"قولهفيمَا يَرْويَهُ" الرواية نقل الحديث "عَنْ رَبِِّهِ" أي عن الله عزّ وجل،وهذا الحديث يسمى عند المحدثين قدسياً، والحديث القدسي: كل ما رواه النبيصلى الله عليه وسلم عن ربه عزّ وجل.لأنه منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم تبليغاً، وليس من القرآن بالإجماع، وإن كان كل واحد منهما قد بلغه النبي صلى الله عليه وسلم أمته عن الله عزّ وجل.وقداختلف العلماء رحمهم الله في لفظ الحديث القدسي: هل هو كلام الله تعالى،أو أن الله تعالى أوحى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم معناه، واللفظ لفظرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ على قولين:القول الأول: أن الحديث القدسي من عند الله لفظه ومعناه،لأن النبي صلى الله عليه وسلم أضافهإلى الله تعالى، ومن المعلوم أن الأصل في القول المضاف أن يكون بلفظ قائلهلا ناقله،لا سيما أن النبي صلى الله عليه وسلم أقوى الناس أمانةً وأوثقهمروايةً.القول الثاني: أن الحديث القدسي معناه من عند الله ولفظه لفظ النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك لوجهين:الوجهالأول: لو كان الحديث القدسي من عند الله لفظاً و معنى؛لكان أعلى سنداً منالقرآن؛لأن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربه تعالى بدون واسطة؛كماهو ظاهر السياق، أما القرآن فنزل على النبي صلى الله عليه وسلم بواسطةجبريل عليه السلام؛كما قال تعالى: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُس من ربك)(النحل: الآية102) ، وقال: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ*عَلَىقَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ)[الشعراء:193-195].الوجهالثاني:أنه لو كان لفظ الحديث القدسي من عند الله؛لم يكن بينه وبين القرآنفرق؛ لأن كليهما على هذا التقدير كلام الله تعالى،والحكمة تقتضي تساويهمافي الحكم حين اتفقا في الأصل،ومن المعلوم أن بين القرآن والحديث القدسيفروق كثيرة:منها:أنالحديث القدسي لا يتعبد بتلاوته،بمعنى أن الإنسان لايتعبد الله تعالىبمجرد قراءته؛فلا يثاب على كل حرف منه عشر حسنات،والقرآن يتعبد بتلاوتهبكل حرف منه عشر حسنات.ومنها: أن الله عزّ وجل تحدى أن يأتي الناس بمثل القرآن أو آية منه،ولم يرد مثل ذلك في الأحاديث القدسية.ومنها:أنالقرآن محفوظ من عند الله عزّ وجل؛ كما قال سبحانه: (إِنَّا نَحْنُنَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9) ؛والأحاديث القدسية بخلاف ذلك؛ ففيها الصحيح والحسن،بل أضيف إليها ما كانضعيفاً أو موضوعاً، وهذا وإن لم يكن منها لكن نسب إليها وفيها التقديموالتأخير والزيادة والنقص.ومنها:أنالقرآن لا تجوز قراءته بالمعنى بإجماع المسلمين، أما الأحاديث القدسية؛فعلى الخلاف في جواز نقل الحديث النبوي بالمعنى والأكثرون على جوازه.ومنها:أن القرآن تشرع قراءته في الصلاة، ومنه ما لا تصح الصلاة بدون قراءته، بخلاف الأحاديث القدسية.ومنها: أن القرآن لا يمسّه إلا طاهر على الأصح، بخلاف الأحاديث القدسية.ومنها:أن القرآن لا يقرؤه الجنب حتى يغتسل على القول الراجح،بخلاف الأحاديث القدسية.ومنها:أنالقرآن ثبت بالتواتر القطعي المفيد للعلم اليقيني، فلو أنكر منه حرفاًأجمع القراء عليه؛ لكان كافراً، بخلاف الأحاديث القدسية؛ فإنه لو أنكرشيئاً منها مدعّياً أنه لم يثبت؛ لم يكفر، أما لو أنكره مع علمه أن النبيصلى الله عليه وسلم قاله؛ لكان كافراً لتكذيبه النبي صلى الله عليه وسلم .وأجابهؤلاء عن كون النبي صلى الله عليه وسلم أضافه إلى الله، والأصل في القولالمضاف أن يكون لفظ قائله بالتسليم أن هذا هو الأصل، لكن قد يضاف إلىقائله معنى لا لفظاً؛ كما في القرآن الكريم؛ فإن الله تعالى يضيف أقوالاًإلى قائليها، ونحن نعلم أنها أضيفت معنى لا لفظاً، كما في قصص الأنبياء وغيرهم، وكلام الهدهد والنملة؛ فإنه بغير هذا اللفظ قطعاً.وبهذايتبين رجحان هذا القول، وليس الخلاف في هذا كالخلاف بين الأشاعرة وأهلالسنة في كلام الله تعالى؛ لأن الخلاف بين هؤلاء في أصل كلام الله تعالى؛فأهل السنة يقولون: كلام الله تعالى كلام حقيقي مسموع يتكلم سبحانه بصوتوحرف، والأشاعرة لا يثبتون ذلك، وإنما يقولون: كلام الله تعالى هو المعنىالقائم بنفسه، وليس بحرف وصوت، ولكن الله تعالىيخلق صوتاً يعبّر به عنالمعنى القائم بنفسه، ولا شك في بطلان قولهم، وهو في الحقيقة قولالمعتزلة، لأن المعتزلة يقولون القرآن مخلوق، وهو كلام الله، وهؤلاءيقولون: القرآن مخلوق، وهو عبارة عن كلام الله، فقد اتفق الجميع على أن مابين دفتي المصحف مخلوق.ثملو قيل في مسألتنا - الكلام في الحديث القدسي -: إن الأَولَى ترك الخوض فيهذا؛ خوفاً من أن يكون من التنطّع الهالك فاعله، والاقتصار على القول بأنالحديث القدسي ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه وكفى؛ لكان ذلككافياً، ولعله أسلم والله أعلم.نداءٌ من الله عزّ وجل أبلغنا به أصدق المخبرين وهو محمد صلى الله عليه وسلم.وقوله: "يَاعِبَادِي" يشمل كل من كان عابداً بالعبودية العامة والعبودية الخاصة."إِنِّيحَرَّمتُ الظُّلمَ عَلَى نَفسِي" أي منعته مع قدرتي عليه، وإنما قلنا: معقدرتي عليه لأنه لو كان ممتنعاً على الله لم يكن ذلك مدحاً ولاثناءً، إذلايُثنى على الفاعل إلا إذا كان يمكنه أن يفعل أو لا يفعل.فلو سألنا سائل مثلاً وقال: هل يقدر الله أن يظلم الخلق؟فالجواب: نعم، لكن نعلم أن ذلك مستحيل بخبره، حيث قال: (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) [الكهف:49]."وَجَعَلتُهُ بَينَكُمْ مُحَرَّمَاً" أي صيّرته بينكم محرماً."فَلاتَظَالَمُوا" هذا عطف معنوي على قوله: "جَعَلتُهُ بَينَكُمْ مُحَرَّمَاً"أي فبناء على كونه محرماً لاتظالموا، أي لا يظلم بعضكم بعضاً." يَا عِبَاديَ كُلُّكُم ضَالٌّ" أي تائه عن الطريق المستقيم "إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ" أي علمته ووفقته، و علمته هذه هداية الإرشاد و وفقته هداية التوفيق."فَاستَهدُونِي أَهدِكُمْ" أي اطلبوا مني الهداية لامن غيري أهدكم، وهذا جواب الأمر، وهذا كقوله: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) [غافر:60] "يَاعِبَادِيكُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ" أي كلكم جائع إلا من أطعمهالله، وهذا يشمل ما إذا فقد الطعام، أو وجد ولكن لم يتمكن الإنسان منالوصول إليه، فالله هو الذي أنبت الزرع، وهو الذي أدرّ الضرع، وهو الذيأحيا الثمار، واقرأ من سورة الواقعة من قول الله تعالى: (أَفَرَأَيْتُمْمَا تُمْنُونَ* أَأَنْتُمْتَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ*نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُالْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ*عَلَى أَنْ نُبَدِّلَأَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ*و َلَقَدْعَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ*أَفَرَأَيْتُمْمَا تَحْرُثُونَ*أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ*لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ*إِنَّالَمُغْرَمُونَ* بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ* أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَالَّذِي تَشْرَبُونَ* أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْنَحْنُ الْمُنْزِلُونَ* لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ*أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ* أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْشَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ* نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةًوَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ* فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ)[الواقعة:58-74] ، تجد كيف تحدّى الله الخلق في هذه الآيات لابالنسبةللمأكول، ولا المشروب، ولا ما يصلح به المأكول والمشروب. فكلّنا جائع إلامن أطعمه الله.كذلك أيضاً يمكن أن يوجد الطعام لكن قد لا يتمكن الإنسان منه:إما لكونه محبوساً، أو مصاباً بمرض، أو بعيداً عن المحل الخصب والرخاء."فَاسْتَطْعِمُونِي" أي اطلبوا مني الإطعام، وإذا طلبتم ذلك ستجدونه." أُطْعِمْكُمْ" أطعم: فعل مضارع مجزوم على أنه جواب الأمر."يَاعِبَادِي كُلُّكُم عَارٍ" فكلنا عار، لأننا خرجنا من بطون أمهاتناعراة."إِلاّمَنْ كَسَوتُهُ فَاستَكْسُونِي أَكْسُكُمْ" سواء كان من فعل الإنسانكالكبير يشتري الثوب، أو من فعل غيره كالصغير يُشترى له الثوب، وربمايقال: إنه يشمل لباس الدين، فيشمل الكسوتين: كسوة الجسد الحسيّة، وكسوةالروح المعنوية."يَاعِبَاديإِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ" أي تجانبون الصواب، لأن الأعمال إما خطأ وإماصواب، فالخطأ مجانبة الصواب وذلك إما بترك الواجب، وإما بفعل المحرّم.وقوله: بِالَّليْلِ الباء هنا بمعنى: (في) كما هي في قول الله تعالى: (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ*وَبِاللَّيْل) [الصافات:137-138] أي وفي الليل."وَأَنَا أَغفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعَاً" أي أسترها وأتجاوز عنها مهما كثرت، ومهما عظمت، ولكن تحتاج إلى الاستغفار."فَاستَغفِرُونِيأَغْفِر لَكُم" أي اطلبوا مغفرتي، إما بطلب المغفرة كأن يقول: اللهم اغفرلي، أو: أستغفر الله وأتوب إليه. وإما بفعل ما تكون به المغفرة، فمن قال:سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت خطاياه ولوكانت مثل زبد البحر."يَاعِبَاديَإِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضُرِّيْ فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوانَفعِي فَتَنْفَعُونِي" أي لن تستطيعوا أن تضروني ولا أن تنفعوني، لأنالضار والنافع هو الله عزّ وجل والعباد لايستطيعون هذا، وذلك لكمال غناهعن عباده عزّ وجل.تابع | |
|