بيان استنكاري لجريمتي (مكناس) و(القصر الكبير)

فقد تقرر في الشرع تفاوت السيئات، وأنها ليست على درجة واحدة في التأثيم وغيره من أحكام الوعيد.

ومن أسباب التفاوت في ذلك المجاهرة والإسرار.

فالمعصية التي يجهر بها أعظم وزرا وأكثر إثما من التي يفعلها صاحبها في السر.

ومما يؤسس للفرق بين النوعين:

قوله عليه السلام: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من الجهار أن يعمل
الرجل بالليل عملا، ثم يصبح و قد ستره الله تعالى فيقول: عملت البارحة كذا
وكذا وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه".(متفق عليه من حديث أبي
هريرة).

وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اجتنبوا هذه القاذورات
التي نهى الله تعالى عنها فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله و ليتب إلى
الله" (رواه مالك في موطئه وهو صحيح).

إذا ظهر هذا، فإن مما ابتلي به بلدنا المغرب، في زمان العولمة والتدفق
المعلوماتي انتشار الفواحش والمنكرات بشكل كبير، والسعي والاجتهاد من طرف
دعاة الإباحية إلى تطبيعها وجعلها مستساغة عند المغاربة، مستغلين الضغط
السياسي والاقتصادي والتهديد بالقوة الذي توظفه دول الكفر والإباحية لفرض
مبادئها وقناعاتها على الحكومات والشعوب، ومستعملين كل أنواع الإغراء
والفتنة المبلدة للحس، القاتلة للمروءة والشرف، والتي تدس في النفوس عبر
الإعلام بكل فروعه سيما المرئية، وعبر مناهج التعليم الفاسدة، وعبر
الأنشطة الثقافية والفنية المشبوهة.

كل ذلك على حين تقصير وتغافل شديدين من كثير من المسؤولين في الوزارات
والولايات المعنية، في مقدمتها وزارة الشؤون والأوقاف الإسلامية، التي
لوحظ من بعض مسؤوليها من السعي لإحياء التصوف والقبورية والبدع، ما لم
يلاحظ عشر معشاره في سبيل إنكار تلك المنكرات ومواجهة ما يهدد دين
المغاربة وهويتهم الحضارية من ذلك المد الإباحي الخطير.

وفي خضم هذا التقصير الكبير من طرف كثير من المسؤولين، ارتفعت وتيرة تفشي المنكر والجهر به.

وكان من آخر ذلك: ما جرى في مدينة مكناس من الجهر بتنظيم حفل تذوق الخمور
يوم الجمعة 2 ذي القعدة 1428، نظمه المجلس الجهوي للسياحة بمكناس، بتعاون
مع منتجي الخمور بجهة مكناس تافيلالت والقنصلية الفرنسية، تحت ذريعة تطوير
السياحة وازدهار الاقتصاد!!

ثم فضيحة القصر الكبير، التي ضم المبتلون باللواط فيها صوتهم إلى عشاق
الخمر والخنا، فجاهروا هم بدورهم بمنكرهم وأعلنوه ليلة الإثنين 8 ذي
القعدة من هذا العام (1428)؛ بإقامة وليمة عرس كالتي اعتادها المغاربة في
الاحتفال بزواجهم، وقد اشترك العروس والعريس في التسمي بفؤاد!!!

كما جهرت بعض السحاقيات بدعوتهن المقيتة عبر صفحات جريدة الصباح (ع. 2372)، التي نشرت لهن تصريحات ممجوجة وتصاوير ساقطة ...

وهذا كله –ومثله في بلدنا كثير- محادة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم،
وخرق سافر للدين والعفة، ودس ووأد لكرامة المغاربة وكل المسلمين، لا نملك
معه إلا الإنكار الشديد والتعبير عن الغضب الكبير الذي يغلي مرجله في
قلوبنا، ويقف له الشعر وتنتفخ منه أوداجنا، خوفا من الله تعالى، وغيرة على
دينه، وتأسيا بنبيه صلى الله عليه وسلم، الذي كان يغضب إذا انتهكت حرمات
الله.

وإننا إذ نقوم بهذا الواجب، ونبرأ ذمتنا من السكوت عن المنكر؛ لنناشد من
بسط الله أيديهم في سياسة الأمة، أن يقوموا بواجب صد هذا العدوان، ومحاصرة
هذا الإفساد، وتوعية المواطنين بخطورة ما يتعرضون له من مسخ للهوية وطمس
للشخصية الإسلامية، وأن يعززوا خطاب التوعية والبيان والدعوة في المشهد
الإعلامي المغربي الذي طغت عليه ثقافة الانفتاح غير المنضبط طغيان مياه
البحر زمن نوح عليه السلام.

فالمرجو والمؤمل من علمائنا في المجالس العلمية ومجلسها الأعلى ورابطة
العلماء المحمدية وغيرهم من العلماء المستقلين أو العاملين في الإطار
الجمعوي المدني، أن يدشنوا عملا موحدا وفعالا لأداء هذا الواجب إبراءا
للذمة ونصرة للملة، وانتصارا للإسلام في مواجهة طغيان النظام العالمي
الجديد الذي تبنى الإباحية ونصر الإلحاد، على حساب الفضيلة والإيمان.

{لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ
اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد/25] وإننا قبل ذلك وبعده نرفع أيدي
الدعاء الملح المظلوم أهله إلى من رفع السماء بغير عمد، ولم يكن له صاحبة
ولا ولد، الرب الأكرم والإله الأوحد، أن يحفظ علينا ديننا الذي هو عصمة
أمرنا، وأن يطهر من هذه البلايا دنيانا التي فيها معاشنا، وأن يوفق ولي
أمرنا وحكومته وولاته لصيانة البلاد والعباد من عبث العابثين وكيد
المفسدين، وأن يوفقهم لقيادة قطار التنمية والإصلاح الشاملين على سكة
الاستقامة والعفة والدين.

ونسأل الله تعالى أن يهدي من ضل من إخواننا وأخواتنا، وأن يرشد من زل منهم
وابتلي بتلك القاذورات سواء السبيل، وأن يوفقهم لتوبة نصوح وأوبة حميدة
ليصيروا أدوات بناء وعوامل نهضة بدل ما يراد بهم من جعلهم أدوات هدم
وأسباب فساد وإفساد.

ولا حول ولا قوة إلا بالله، وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا وخليلنا محمد وآله وصحبه.

التوقيع:

اللجنة العلمية لموقع منزلة المرأة في الإسلام